آباء على ثرى الوجع

في غمرة واقع يعتصر القلوب، وتثقل فيه المحن كاهل الأرواح، وبينما ترخي سحائب الحرب الثّقال بظلالها الكئيبة على أرجاء أوطاننا، يأتي يوم الأب العالميّ ليبرز لنا قيمة آبائنا الأماجد، فهم أعمدة الصّمود الرّاسخة الّتي لا تهن، وقناديل الأمل الوضّاءة الّتي تبدّد ظلمات اليأس، فالأب هو السّند المتين الّذي لا يميل، والحضن الدّافئ الّذي يضمّنا في غمرات الشّدّة، واليد الحانية الّتي تمتدّ لترفعنا كلّما تعثّرت خطانا.
نبعث بأصدق الأمنيات وأرقّ الدّعوات بالخير والسّلامة للجميع، وللآباء الأجلّاء أيّنما حلّوا وارتحلوا، متمنّين لهم دوام القوّة وعظيم الصّبر، ليظلّوا ينبوعا فيّاضا بالإلهام، يروي ظمأ عائلاتهم، وليبقوا نجوما ساطعة في سماء أُسَرِهم، مضيئين بيوتهم بنور المحبّة وعمق الحكمة.
وبينما نفيض تقديرا للآباء الّذين ما زالوا بيننا، لا تملك أرواحنا إلّا أن تستذكر أرواحا عزيزة فارقتنا، لكنّها أبقت حضورها الخالد في حنايا أرواحنا، فوالدي الّذي رحل عن دنيانا قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام، ما زال يسكن أعماق قلبي، نبضا لا يهدأ وذكرى لا تضمحلّ، روحه ما برحت تحلّق حولي، وابتسامته الطيّبة محفورة في ذاكرتي كوشمٍ لا يمحى.
وليشهد العالم أجمع، أنّني قد حططتُ رحالي في كنف أعظم أب؛ رجل فاق الوصف جودا وعطاء، وعلّم الحياة كيف تكون معاني السّند والعشق.
فسلام على روحه الطّاهرة، وخلّد الدّهر ذكراه في صحائف الذّاكرة، وليبقَ أنشودة تتجدّد، أردّدها ما بقي بي من نبض.
رحم الله كلّ أب غاب عن دنيانا، وجعل ذكراه العطرة باقية، تذكّرنا دوما بقوّة الأبوّة الّتي لا يطويها الفراق، فقد خلّفوا وراءهم إرثا من العطاء، يتجاوز حدود الزّمان، محفورا في صحائف الأيّام بمدادٍ من نور.
على أريج هذه الذّكريات الّتي تتجلّى في أرواحنا كنجوم لا يأفل نورها، نحلم بأبصار القلب إلى فجر وشيك، يحمل بين طيّاته وعدا بسلام ينسج خيوطه من وشوشة الأماني الصّادقة، يُسكَبُ على الأرض كالمطر؛ ليروي ظمأ القلوب، فيُزهِر الأمن في كلّ درب، وتتعانق الأرواح تحت ظلال الوئام، وتشرق شمس الطّمأنينة على هذا الكون؛ لننعم جميعا بفيض من السّكينة الأبديّة.