الرئيسية مقالات

إسرائيل والطبقية السياسية المُمأسسة: المواطنة بين الحق والامتياز العرقي

محمد دراوشة
نُشر: 19/07/25 14:36
إسرائيل والطبقية السياسية المُمأسسة: المواطنة بين الحق والامتياز العرقي

في ظل تصاعد الجدل حول هوية الدولة الإسرائيلية وعلاقتها بمواطنيها من غير اليهود، تتكشّف بصورة أوضح ملامح الطبقية السياسية التي تتغلغل في بنية النظام التشريعي والإداري، وتُعيد تعريف المواطنة كامتياز مشروط بالانتماء العرقي الديني اليهودي لا كحق متساوٍ. هذه التراتبية لا تقتصر على الداخل، بل تتجلّى في الخطاب الرسمي الإسرائيلي الذي يدّعي الدفاع عن الأقليات وخاصةً الدروز والعلويين والأكراد في سوريا وسائر الشرق الأوسط، بينما يُمارس سياسات تمييز وإقصاء ممنهجة ضد الأقليات غير اليهودية داخل حدوده. التناقض بين لغة "الحماية" في الخارج والتمييز المُمأسس في الداخل يكشف عن ازدواجية سياسية تُثير شكوكًا حول مدى التزام الدولة بقيم العدالة والمساواة، بالذات بين مواطنيها.

من أبرز تجليات هذه الفجوة العرقية، قانون القومية الذي أُقر عام 2018، ويُعرّف إسرائيل بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويمنح اليهود فقط حق تقرير المصير، مُقصيًا بذلك الأقليات من أي دور في تحديد هوية الدولة. كما يُسقط القانون اللغة العربية من مكانتها الرسمية، ويُشجّع الاستيطان اليهودي حصريًا، ما يُكرّس مفهوم التفوّق العرقي ويُشكّل أساسًا قانونيًا للفصل والتمييز. 

الكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان وصف هذه السياسات بأنها "غارقة في مستنقع من السخرية والنفاق"، منتقدًا المفارقة الواضحة في تعاطي الحكومة مع الدروز في سوريا، في الوقت الذي يُواجه فيه الدروز في إسرائيل تمييزًا بنيويًا لا يخلو من طابع عنصري.

إلا أن هذه السياسات لا تطال غير اليهود فقط، بل تتسلل إلى داخل المجتمع اليهودي نفسه، حيث تسود طبقية عرقية غير معلنة تُحدّد موقع الفرد داخل الهرم السياسي والاقتصادي والاجتماعي:

* اليهود الأشكناز، القادمون من أوروبا، يتمتعون بامتيازات واضحة في فرص التعليم والوظائف وصنع القرار، ويُشكّلون النخبة الحاكمة والمؤثرة في المجتمع.
* اليهود السفارديم والمزراحيم، من أصول شرقية، يُواجهون تهميشًا ثقافيًا وإداريًا مزمنًا، رغم أنهم يشكّلون كتلة سكانية كبيرة.
* اليهود الإثيوبيون يعانون من تمييز مضاعف، حيث تواجههم عنصرية مجتمعية ومؤسساتية، ويتعرضون لعنف بوليسي، ويقطنون مناطق ذات خدمات متدنية.

أما الأقليات غير اليهودية، من دروز، شركس، وعرب فلسطينيين داخل أراضي 1948، فرغم مشاركتهم الفاعلة في الدولة، إلا أنهم يُواجهون نقصًا كبيرًا في الخدمات والبنية التحتية، وقيودًا عنصرية صارمة في التخطيط والبناء، وتمثيلًا سياسيًا هشًّا لا يتناسب مع حجم حضورهم المجتمعي، وغالباً معدوم التأثير.

ما يجري ليس مجرد خلل إداري أو تجاوزات فردية، بل انعكاس لبنية قانونية وسياسية تُكرّس هذا التفاوت. القوانين، المناهج التعليمية، توزيع الموارد، وشبكات النفوذ كلها تعمل بتناغم لتثبيت هذه الهرمية، ما يُفضي إلى شعور بالاغتراب وتآكل الثقة بين الدولة ومكوّناتها غير المركزية.

إن إعادة النظر في هذه البنية تبدأ أولًا بإلغاء القوانين الإقصائية كقانون القومية، ثم بإعادة تعريف الدولة كمشروع وطني جامع، لا ككيان إثني مغلق. المواطنة الحقيقية لا تُقسّم إلى درجات، ولا تُوزّع حسب الهوية، بل تُبنى على أساس مدني يُساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات.

في عالم يُفترض أن تكون فيه الديمقراطية مرادفًا للعدالة، تثبت إسرائيل أنها ما تزال تُمارس ديمقراطية انتقائية تُقصي من لا ينتمي إلى هُويتها اليهودية المهيمنة. والمطلوب اليوم ليس تحسين الصورة، بل إعادة تأسيس العلاقة بين الدولة ومواطنيها على قاعدة واضحة: أن المواطنة لا يجب أن تكون امتيازًا… بل حقًا لا يُنتزع.