الرئيسية خاطرة

اسطورة القراءة في كتاب "إقرأ"

ناجي ظاهر
نُشر: 01/08/25 07:45
اسطورة القراءة في كتاب "إقرأ"

هدفت سلسلة الكتب المصرية الشهرية الشهيرة " اقرأ"، الى تشجيع الناس على القراءة وتيسير الكتب لهم بأسعار زهيدة توازي سعر أي صحيفة تصدر في البلاد، بما اننا فتحنا منذ فترة أبواب القراءة واسعة امام الأحباء والأصدقاء ممن نريد لهم ان يقرأوا مستمتعين ومستفيدين، كان لا بد من التطرق الى هذه السلسلة التي أصدرتها وما زالت تصدرها وزارة المعارف المصرية، وقد جاء هذا التطرق لسببين احدهما ان هذه السلسلة هدفت كما سلف، الى التشجيع على القراءة والآخر انها خصّصت قبل ثلاثين عاما ونيفا، بمناسبة بلوغها الخمسين من عمرهاـ كتابا احتفاليا تمحور حولها وحول هدفها النبيل في التشجيع والترغيب في القراءة. 

العدد الاول من هذه السلسلة صدر عام 1943 وقد حمل عنوان أحلام شهرزاد، وهو من تأليف الدكتور طه حسين، بعد هذا الإصدار اللافت تتالت الإصدارات بأقلام عربية متمكّنة وقديرة، ويشار الى ان العديد من المؤلفات المميّزة صدرت او ما صدرت ضمن هذه السلسة، نذكر منها إضافة الى الكتاب السابق ذكره، الكتب التالية: قنديل ام هاشم ليحيى حقي، سارة لعباس محمود العقاد، العشاق الثلاثة لزكي مبارك، ورحلة سندباد بري لحسين فوزي. 

كتابُها موضوع هذا الحديث وقع في عدد من الأبواب، التي تضمنت كتابات لأبرز الكتاب العرب المصريين خاصة، منها " تجربتي مع إقرأ، وكتب فيه كل من: نجيب محفوظ، شوقي ضيف، يوسف خليف، مصطفى محمود، ومصطفى بهجب بدوي. يشار الى باب اخر ضمّه هذا الكتاب حمل عنوان تجربتي مع القراءة وكتب فيه كل من طه حسين، عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، يحيى حقي، حسين فوزي، صلاح عبد الصبور، السيد أبو النجا، عادل الغضبان، إسماعيل صبري، جمل الدين العطيفي وحلمى مراد. لقد اختلفت النظرات فيما يتعلّق بكلّ من هؤلاء وبنظرته الى القراءة وفهمه لها، غير انهم جمعيًا اجمعوا كما هو مفترض، على أهمية القراءة ودورها البناء في تكوين الشخصية الإنسانية الواعية المسؤولة والخلاقة. 

مع هذا نفضل فيما يلي التوقف عند مقالة الكاتب حلمي مراد، صاحب منشورات الكتب المصرية الشهيرة أيضا "مطبوعات كتابي"، وهذه السلسلة لمن لا يعرف او لم يحالفه الحظ بالعيش في النصف الأول من القرن الماضي، عنيت بتقديم كتب أجنبية مترجمة الى العربية، منها دكتور زيفاجو للكاتب السوفيتي المنشق في حينها بوريس باسترناك، وفي الوقت ذاته عنيت بتقديم ملخصات متخصصة لأفضل ما صدر في اللغات الأخرى من روايات ومسرحيات وما اليها.

نحن نتوقف عند هذه المقالة إضافة الى ما تقدم، لأنها حاولت ان تكون موضوعية في تقديمها لتجربة القراءة وابعادها، ولأنها ضمّت في الوقت ذاته اقوالا لرجال صدقوا في قول كلمة الحق وابدعوا في صياغتها فيما يتعلق بالكتاب والقراءة بصورة عامة. 

مقالة حلمي مراد هذه حملت عنوان متى وكيف نقرأ، ويفتتحها صاحبها بمقولة للفيلسوف ورجل التربية المعروف في مختلف انحاء العالم جون لوك، تقول ان "القراءة تمدّ العقل بمادة المعرفة، ولكن التفكير هو الذي يجعل ما نقرؤه مُلكا خاصا لنا"، وواضح من هذا انه توجد هنا دعوة للقراءة المتمعنة المتفكرة من اجل تذويت ما نقرؤه والاستفادة منه الى اقصى ما يمكن في تعميق الوعي الفردي. إجابة عن السؤال المحيّر نوعا.. ما لماذا نقرا؟ يورد الكاتب مقولة للفيلسوف المفكر الإنجليزي البارز توماس كارليل صاحب الكتاب الفاتن عن الملابس، يقول كارليل ضمن إجابة مُضمرة عن سؤال القراءة والتساؤل عنها وحولها ان " كل ما فعلته البشرية او فكرت فيه، او ربحته، يرقد بين صفحات الكتب، محافظا عليه، كأنما بواسطة يد سحرية"، وواضح من هذا القول اننا وفق هذا القول انما نقرأ للاستزادة من المعرفة، وهو ما يذكّر بالقول الكريم" زدني علما".

 اما ضمن الإجابة عن سؤال متى نقرأ؟، فان الكاتب/ حلمي مراد، يصدّر كلماته بمقولة للكاتب الإنجليزي فرانسيس بيكون، هي انه توجد" هناك كتب تستحق ان يذوقها القارئ.. وكتب تستحق ان يلتهمها.. وكتب تستحق ان تُمضغ وتهضم"، ونحن هنا نلاحظ ان الكاتب يودّ ان يشير إلى التنوّع الواسع في عالم الكتب، الامر الذي يحتم أهمية الاختيار، ذلك انه ليس مطلوبا من الواحد منّا أن يقرأ كل ما تقع عليه يده، وانما عليه الاختيار واحسان الاختيار، فكم من كتاب يساوي العشرات وكم من الكتب لا تساوي شيئا.. حتى الورق المطبوعة عليه. اما الدافع لإيراد هذا القول فان الكاتب يبرّره، بان الوقت المحدود لنا نحن بني البشر لا يسمح لنا بقراءة كل شيء وانما يحتّم علينا الاختيار المناسب، وتخصيص الوقت المناسب، ويعني هذا فيما يعنيه انه على من يريد ان يزداد معرفة وعلما، ووعيا أيضا، ان يخصص وقتا محددا للقراءة، ذلك اننا بدون تخصيص هذا الوقت لا يمكننا ان نجد الوقت المناسب لان نقرأ ونثقف بالتالي أنفسنا. 

في الإجابة على السؤال كيف نقرأ؟، يورد الكاتب مقولة للكاتب المثقف المفكر هنري دافيد ثورو، يقول: ان " الكتب هي ثروة الدنيا المخبوءة، وميراث الأجيال والشعوب"، وواضح انه انما يدعو باستعارته هذا القول وتبينه له، انه يدعو الى التأمل فيما نُقبل على قراءته من الكتب، فقراءة الكتب، كما يقول، مثل تأمل اللوحة او التمثال، ينبغي لها ظروف معينة، او عادات حسنة"، لا بد من مراعاتها و" عادات سيئة يحسن تجنبها، كيما تتيح للقارئ اقصى متعة، باقل قدر من الجهد الضائع.. ويستشهد الكاتب فيما يتعلق بهذه العادات وتلك بما قاله عنها الاخصائي دونالد ماك كامبل، وهو أنه " من العادات السيئة او العقبات التي تعوّق التأمل والقراءة المجدية هو المعدة الخاوية والمعدة الممتلئة اكثر من اللازم.. وخير غذاء يؤهلك للقراءة المفيدة بعض الفاكهة، اما إذا تناولت اكلة ثقيلة فينبغي ان تنتظر ساعة على الأقل قبل أن تقرأ كي لا يصعد إلى راسك الدم الذي يلزم بقاؤه المعدة ليساعد على الهضم. والارهاق الجسماني عدو اخر للتركيز اللازم اثناء القراءة، فان الطاقة الحرارية المطلوب توفرها اثناء القراءة الجادة ، تكاد تعدل الطاقة اللازمة للعبة رياضية خفيفة، على ان ذلك لا يعني ان يُقبل المرء على القراءة وهو في حالة خمول تامّ بل يُحسن ان يمشى ولو قليلًا في الحجرة قبل القراءة، اذ كثيًرا ما يصيب خمول الجسم ذهن صاحبه بعدواه"، ناهيك عن مضرة القلق للقراءة الجادة. واهمية السكينة الداخلية حين الاقبال عليها. 

في الإجابة عن السؤال ماذا نقرا؟، يستعير الكاتب مقولة للكاتب ادوارد بولوار ليتون، ومفادها انني" في الغالب ابدا بقراءة احدث الكتب وفي الآداب اقدمها فالكلاسيكيات لا تبلى جدتها وهي دوما حديثة"، ويجيب الكاتب فيما بعد اجابته عن هذه الأسئلة، على أسئلة أخرى لا تقلّ أهمية منها مثل: ماذا نقرا من التراث، والادب الحديث، وماذا نقرا ونقتني من المراجع العالمية، واي الكتب المترجمة والكتب التي لم تترجم نقرا، انه يقدم أجوبته الخاصة عن هذه الأسئلة، وفي رأيي ان التغيرات والتبدلات التي طرأت على الكتاب وعالمه بعد كتابة هذا الكلام قد غيّرت وبدلت، وانه بإمكان كل قارئ جاد ان يوجِد اجوبته الخاصة التي لا تقل عن أي إجابات أخرى في أهميتها، ولعلّ ما يُقدمه من أقول جون ملتون يجيب عن المزيد من الأسئلة وهو:" الكتاب الجيد مثل دم الحياة لأرواح علوية، محفوظ ومخبوء من اجل حياة أخرى وراء الحياة".