العنصرية في حيز العمل: واقع يومي للعمال العرب في البلدات اليهودية

العنصرية في حيز العمل: واقع يومي للعمال العرب في البلدات اليهودية
بقلم: محمد دراوشه
في قلب العديد من القطاعات المهنية في البلدات اليهودية، يعيش العمال والموظفون العرب واقعًا يوميًا قاسيًا من التمييز العنصري، يتجلى في لهجات عدائية، تهديدات مباشرة، وأحيانًا اعتداءات جسدية لا مبرر لها. العامل العربي، الذي يؤدي واجبه بإخلاص وكفاءة، يجد نفسه موضع شك أو خوف، وكأنه خطر وعدو بدلًا من أن يُنظر إليه كمساهم في تسيير الحياة اليومية والخدمات العامة.
العاملون في مجال الإرساليات مثال حي لهذا التفاعل الهش. تنقلهم المستمر بين المنازل والمؤسسات يجعلهم عرضةً لسلوكيات عنصرية قاسية، تتراوح بين التعليقات المهينة والتلميحات التهديدية، وتصل أحيانًا إلى مستوى وضع اليد على السلاح من قبل الزبائن كما حصل هذا الأسبوع، وكأن وجودهم غير مرغوب أو مريب، فقط بسبب هويتهم. الصورة ليست أكثر إشراقًا في باقي القطاعات. سائقو الباصات والتكسيات يواجهون الشتائم والضرب، رغم كونهم حلقة وصل ضرورية في حياة آلاف المواطنين يوميًا. عمّال البناء والزراعة يُعاملون وكأنهم أدوات تُستخدم ثم تُنسى، ويتجاهل أرباب العمل والجهات الرسمية ظروفهم القاسية وسلامتهم الشخصية، رغم اعتماد البنية التحتية على عملهم المضني. حتى في المجال الطبي، حيث يفترض أن تسود المهنية والإنسانية، يُواجه الأطباء والممرضون العرب رفضًا صريحًا أو تشكيكًا في كفاءتهم، بسبب خلفيتهم القومية وليس قدراتهم المهنية.
هذا الواقع لا يأتي من فراغ، بل يتغذى على مناخ عام من التحريض السياسي والإعلامي، الذي تمارسه شخصيات بارزة في الحكومة الإسرائيلية. فقد وثّقت افتتاحية صحيفة هآرتس تصريحات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اتهم فيها أعضاء الكنيست العرب بالتحريض ورفع أعلام داعش، رغم أن تلك الأعلام لم تكن سوى رايات دينية للحركة الإسلامية، ما يعكس جهلًا أو تجاهلًا متعمدًا لطبيعة المجتمع العربي وتعدديته. هذا النوع من الخطاب، حين يصدر من أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، لا يُستقبل كمجرد رأي سياسي، بل يتحول إلى إشارة ضمنية تبرر الشك والعداء تجاه كل عربي في الحيز اليهودي، وتُضفي شرعية على الاعتداءات الفردية باعتبارها “رد فعل مشروع”.
كما أظهر تقرير صادر عن المركز الإصلاحي للدين والدولة أن النيابة العامة الإسرائيلية تتعامل بانتقائية صارخة مع جرائم التحريض، حيث أن 77٪ من لوائح الاتهام استهدفت العرب، بينما يتم التغاضي عن تحريض الحاخامات والشخصيات اليهودية العامة، حتى في الحالات التي تشمل دعوات صريحة للعنف. هذه الازدواجية في تطبيق القانون تُكرّس شعورًا بالحصانة لدى المعتدين، وتُضعف ثقة المواطنين العرب في مؤسسات الدولة.
تكرار هذه المواقف يؤثر على الصحة النفسية والثقة بالذات لدى هؤلاء العاملين، ويخلق بيئة عمل غير مستقرة تدفع البعض لإعادة النظر في مستقبلهم المهني، رغم حاجتهم للاستمرار فيه. الأسوأ أن هذه الحالات غالبًا ما تمر دون توثيق أو محاسبة، مما يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ويشجّع على تكرار السلوكيات العدوانية دون رادع.
من أجل بناء بيئة عمل عادلة، لا بد من اتخاذ خطوات جادّة تبدأ بخلق آليات فعالة لتقديم الشكاوى ضد التمييز، وتطوير سياسات داخلية صارمة تُجرّم السلوك العنصري وتحاسب عليه. يجب أيضًا تفعيل دور الإعلام لتوثيق هذه الظاهرة وتسليط الضوء عليها، والمساهمة في تفكيك بنيتها المجتمعية، إلى جانب دعم العاملين العرب نفسيًا ومهنيًا، وتمكينهم من التعبير عن معاناتهم والمطالبة بحقوقهم دون خوف أو خجل.
في نهاية المطاف، العنصرية في مكان العمل ليست مجرد تصرف فردي عابر، بل انعكاس لمنظومة تحتاج إلى الاعتراف بوجود الخلل فيها، والعمل على تفكيكه من جذوره. ما يحدث من اعتداء لفظي أو جسدي ضد عامل عربي هو جرس إنذار صريح، يدعو إلى تدخل حقيقي يعيد للعدالة مكانتها، ويؤسس لمجتمع أكثر إنصافًا وأمانًا للجميع.