الرئيسية قصة

كاتب فلسطيني يمتطي الريح ويحلق في أجواء الليالي

ناجي ظاهر
نُشر: 03/08/25 17:34
كاتب فلسطيني يمتطي الريح ويحلق في أجواء الليالي

كاتب فلسطيني يمتطي الريح ويحلق في أجواء الليالي

"على قلق كان الريح تحتي/ المتنبي"

ناجي ظاهر
سجّل نفسه منذ بداياته الأولى في اواسط الستينيات واوائل السبعينيات واحدًا من ابرز الكتاب الروائيين في فلسطين، وكانت كل رواية حديدة له تزيد في رصيده الادبي الروائي وتضيف إليه ما هو متوقّع ومرتهن بما سبقه من اعمال وشت منذ العمل الأول انه سيعطي الكثير وسوف يتقدّم بالرواية الفلسطينية خطوة أخرى متقدمة، عن كل ما سبق او وازاها من الخطوات الملكية الواثقة والمتأكدة من سدادها وكينونتها ذات الطابع الخاص والمميّز. 
يحيى حسن عبد الله يخلف( 11 نوفمبر/ تشرين الاول 1944)، فيما بعد يحيى يخلف، كما عرّفته موسوعة ويكبيديا، كاتب وروائي فلسطيني. ولد في طبريا لأسرة من بلدة سمخ الواقعة على الضفة الجنوبية لبحيرة طبريا في فلسطين، عام 1944. هُجّرت أسرته إلى الأردن بعد عام النكبة، وعاش هناك في مدينة إربد ودرس في مدارسها. يحمل دبلوم المعلمين وليسانس آداب من جامعة بيروت العربية. عمل في التدريس والصحافة، ونشر قصصه الأولى في مجلة الأفق الجديد التي كانت تصدر في مدينة القدس، في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ثم بدأ ينشر في مجلة الآداب البيروتية، وله نحو 19 عملاً أدبيًّا ما بين القصصي، الروائي، وأدب الطفل، وقد صدر له خلال فترة عطائه الادبي، منذ بدايتها الأولى حتى هذه الأيام، عدد من الروايات، كانت اولاها "نجران تحت الصفر"، وهي رواية قصيرة، عام 1977، وأعيدت طباعتها، فيما بعد بقليل، ضمن منشورات صلاح الدين التي نشطت ابان تلك الفترة في القدس، تلا هذه الرواية عدد من الروايات منها تلك المرأة الوردة 1980، نشيد الحياة 1983، بحيرة وراء الريح 1990، ماء السماء 2008، وراكب الريح 2015، وهي الرواية التي سأتوقف عندها، كونها مثلت ذروة سامقة في ابداعه الروائي المتألق، اما روايته الأخيرة، كما ورد في ويكبيديا، فقد حملت عنوان اليد الدافئة وصدرت عام 2018.
بدا يحي يخلف منذ روايتيه الاوليين القصيرتين، نجران تحت الصقر وتلك المرأة الوردة، كاتبا واعدا ومبشّرًا بميلاد رواية فلسطينية ذات قيم أدبية رفيعة وحضور حقيقي، مُستحق وجدير بان تكون له زاوية خاصة ومميزة في ديوان الرواية العربية عامة، ورغم انه كان في بداياته تلك متأثرًا شديد التأثر بالإنتاج الروائي للكاتب الروسي البارز مكسيم جوركي، لا سيما في روايته تلك المرأة الوردة، الا انه ما لبث ان استقل بشخصيته الخاصة وبصمَتهِ المُميّزة، التي طبعت ما وضعه من انتاج روائي بطابع من العمق والتخييل الروائي القائم على رؤية متعمقة ومدركة لكل ما هو جميل، رائع ومُبشّر في الحياة.
روايته قبل الأخيرة، راكب الريح، حصدت بعد صدورها بعام واحد عام 2016، جائزة كتارا العربية ذات القيمة والتميّز، اما روايته الأخيرة اليد الدافئة، فقد تمّ ترشيحُها بعد صدورها بقليل، لجائزة الشيخ زايد الأدبية ذات القيمة التي لا تقل عن قيمة جائزة كتارا. 
تعودُ رواية راكب الريح بقارئها إلى فترة الحكم العثماني على بلادنا، القرن الثامن عشر، وتحكي قصة شاب من مدينة يافا الفلسطينية، يُدعى يوسف، (هل يذكّر هذا الاسم باسم النبي يوسف)، هذا الشاب يتّصف بقوة غير عادية وتصفه الرواية بأنه بارع في الخط والرسم، وبعد ان يُضحي بطلًا شعبيًا يُشار إليه بالبنان، يُطلِق عليه الناس لقب راكب الريح، وذلك جراء ما يتميّز به من جرأة وشجاعة، في معاركة ما يواجهه من احداث، عقبات ومصاعب جسام. تستعرض راكب الريح المآثر التي نفذها ذلك الشاب، ولا تنسى الإشارة الى تأثيره المباشر على المجتمع المحيط به. اما في تقديمها صورة حيّة ومتخيّلة لمدينة يافا، عروس البحر، فانه يقرّب الرواية من الواقعية التاريخية، رُغم ما حفلت به الرواية من خيال شاطح، مبدع وخلّاق.  
توضح أي قراءة، مهما كانت متسرعة وعلى عجل، ان صاحبها تأثر أيّما تأثر بالملحمة الشعبية الخالدة الف ليلة وليلة، فبطل الرواية يصول ويجول في عالم الخيال، كما يجول الطائر الخُرافي ذي الجناح الملوّن الجميل في آفاق الخيال الواسعة مترامية الأطراف، فبطل الرواية يلتقي في بداياتها الأولى، خلال معاركته للبحر المحاذي لمدينته/ يافا، بالحوت وجهًا لوجه، غير ان الحوت، كما تقول لنا ما تلي من احداث الرواية، يولّي تاركًا إياه لبطولاته وشطاراته الشعبية، التي تذكّر بما كان يقوم به الشطّار والعيارون( لنتذكر روايات الشطار- البيكارسك)، وما يعيشونه مِن قصص وحكايات تكاد تفوق ما يصنعه الخيال، ويتوقف القارئ، وقد توقّفت شخصيا، عند قيام علاقة مُحبة وداعمة ليوسف في تحقيق أهدافه ومراميه، اقول توقفت عند امرين احدهما مرافقة القرينة ليوسف في تنقّلاته وترحّلاته المستمرة الدائمة، ما يمنحه قوة فوق قوة، ويبّرر بالتالي بطولاته، والامر الاخر مصادقته لغزال يُمكنه عند الضرورة ومواجهة الخطر الداهم، من ركوب الريح وتحقيق ما كاد ان يكون مستحيلا، علمًا أن يوسف يقوم بإنقاذ ذلك الغزال من بين انياب حيوان شرس ومفترس اوشك على التهامه دون أي رحمة. 
الرواية باختصار تذكّر بألف ليلة وليلة وتحكي لقارئها الذكي، قصةَ تأثر بنّاء بالتراث الادبي الشعبي، خاصة العربي، ويدل تأثرها هذا في عُمقه بما لا يدع مجالًا للشك، على قدرة فائقة في استلهام التراث بصورة مبدعة خلاقة، وعلى وعي يدُل في ابسط ما يدل عليه، على اننا انما نقف في راكب الريح امام رواية متخيّلة، تكاد تكون تاريخية، وتهدف اول ما تهدف، واخر ما تهدف اليه أيضا، الى ما هدفت اليه الروايات التاريخية الكبيرة، عند والتر سكوت مثلا، ممثلا في قراءة الماضي وكأنما هو الحاضر من ناحية، ومن ناحية أخرى، الى التذكير بان ما حدث في الماضي، ينبغي ان يتكرّر لا سيما فيما يتعلق بالبطولات الهاجعة في الأعماق الشعبية الكامنة.